
كارثة واستسلام في التاريخ البريطاني"!
باستسلام هو الأكبر في تاريخها، خسرت بريطانيا في منتصف فبراير 1942، سنغافورة في جنوب شرق آسيا، وكانت تسمى لمناعتها في ذلك الوقت "جبل طارق الآسيوي".
اليابانيون كانوا بدأوا في تهديد سنغافورة بغزو شبه جزيرة ملايو في 8 ديسمبر 1941، بعد ساعات من هجومهم المفاجئ الشهير على الأسطول الأمريكي في بيرل هاربور.
قاد الهجوم الياباني على ملايو الجنرال تومويوكي ياماشيتا. تقدمت قواته بسرعة عبر الغابات الاستوائية مستخدمة الدراجات الهوائية وتكتيكات أخرى مفاجئة.
كانت بريطانيا تحتفظ في سنغافورة بحامية بلغ عدد أفرادها 85000 جندي معززين بـ 562 قطعة مدفعية بينها 208 مدافع مضادة للطائرات، إضافة إلى 200 مركبة مدرعة، وكانت الحامية البريطانية تنتظر في لذك الوقت الهجوم الياباني على سنغافورة إلا أنها كانت تعتقد أنه سينطلق من البحر.
القوات اليابانية بقيادة الجنرال تومويوكي ياماشيتا وكانت عددها لا يزيد عن 36000 جندي معززة بـ 440 مدفعا، اجتازت فجأة ليلة 8 فبراير 1942 المضيق الفاصل بين شبه جزيرة ملايو وسنغافورة، وتوغلت في الجزيرة.
بحلول صباح 15 فبراير، وبعد قتال لنحو أسبوع تمكن اليابانيون من الاستيلاء على معظم سنغافورة واقتربوا من ضواحي المدينة التي تحمل نفس الاسم، وكانت يسكنها حوالي مليون شخص.
في القتال الأخير على مشارف مدينة سنغافورة، قتل حوالي 2000 جندي بريطاني معظمهم من الأستراليين، وأصيب ما يقرب من 3000 آخرين تم أسرهم جميعا، فيما بلغت الخسائر اليابانية 1714 قتيلا، و3378 جريحا.
إحدى الروايات ذكرت أن قائد الحامية البريطانية في سنغافورة السير آرثر إرنست بيرسيفال لم يجد من مخرج بعد أن استمع إلى تقارير بهزيمة قواته إلا القول بعد أن أدى الصلاة في إحدى الكنائس: "هذا كل شيء، دعونا نستسلم"!
بعد أن تشاور مع قادته، بحسب رواية أخرى، قرر الجنرال بيرسيفال الاستسلام، ومضى مساء 15 فبراير 1942 مع ضباطه رافعين العلم الأبيض إلى مقر الجنرال الياباني ياماشيتا. هناك وقّع استسلاما غير مشروط أصبح بموجبه حوالي 80000 جندي بريطاني أسرى لدي اليابانيين، بما في ذلك وحدة من قوات النخبة وهي فوج مشاة سوفولك التي كانت تأسست في عام 1685. هذا الاستسلام البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية يعد الأكبر في تاريخ الإمبراطورية.
المفارقة أن قائد الحامية البريطانية مضى بعلم أبيض ووقع على استسلام قواته التي يفوق عددها قوات الخصم بأكثر من الضعفين، وكان لا يدرى أن الجنرال ياماشيتا كان يستعد لانسحاب قواته بسبب نفاد الذخيرة وعدم توقع وصول تعزيزات في وقت قريب. لو واصل القائد البريطاني القتال ليوم واحد، لكان جنّب بلاده ذلك الاستسلام المذل الذي أصاب لندن بصدمة.
تسببت الهزيمة في مضاعفات خطيرة وكان لها تأثير نفسي كبير، حتى أن رئيس الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر وصفتها لاحقا بأنها "أسوأ كارثة واستسلام في التاريخ البريطاني".
إثر انتزاع اليابان سنغافورة، غيرت اسمها إلى سنان، وضمتها إلى أراضيها معلنة أنها "جزء لا يتجزأ من الإمبراطورية اليابانية". بقي الأمر على هذا الحال حتى 5 سبتمبر 1954، حين ألقت حامية سنان اليابانية المكونة من 77000 جندي بقيادة الجنرال تيراوتشي أسلحتها أمام القوات البريطانية، بعد ثلاثة أيام من استسلام اليابان.
المفارقة الأخرى، أن صاحب قرار الاستسلام السير آرثر إرنست بيرسيفال لم يتعرض للمساءلة، وعاش في بلاده بهدوء على معاش تقاعدي إلى أن توفى عام 1966 عن عمر ناهز 78 عاما.
