
عفريت الماء.. أعجوبة الخلق الذي يملك ما يحلم به البشر
مع خياشيم ريشية تنبت من رأسه بشكل عجيب، وأقدام مكفوفة، وزعانف ظهرية تمتد على طول جسمه، وذيل ليس أقل غرابة، كان عفريت الماء أو سَمَنْدل المكسيك محل اهتمام البشر منذ قدم الزمن، سواء قبل آلاف السنوات حينما كانت له مهام كبيرة في أساطير حضارة الأزتك، أو الآن حيث يعتبره العلماء أعجوبة طبية نحاول التعلم منها.
حاليا، ينتشر عفريت الماء في مناطق عدة حول العالم حيث تتم تربيته كحيوان أليف، إلا أن موطنه الأصلي هو مجمع بحيرة زوتشيميلكو، قرب مدينة مكسيكو، وهو مهدد بالانقراض بشدة، ويُقدر أن ما تبقى من هذا الكائن يتراوح بين 50 إلى 1000 سمندل فقط.
السمندل المكسيكي آكل للحوم، ويتغذى على الأسماك الصغيرة والقشريات والحشرات، ينمو الفرد البالغ من هذه العائلة عادة إلى حوالي 15-45 سم في الطول، لكنه يظل محتفظا بسماته الشابة لا تتغير.
كائن بسيط بقدرات خارقة
وما لفت انتباه العلماء في هذا الكائن منذ عقود، القدرة العجيبة على تجديد الأطراف بالكامل، بما في ذلك العظام والعضلات والأوعية الدموية والأعصاب والجلد الذي يغطيها، كما يمكنه تجديد الأعضاء بالكامل بما في ذلك عضلات القلب، وحتى أجزاء من الدماغ والحبل الشوكي، واستعادة الوظيفة العصبية إلى مستوى ما قبل الإصابة.
فقط فكر في الأمر، فهو يشبه قدرات أفلام الخيال العلمي، إذا جرح البطل في أي مكان بجسمه تعود الأنسجة لتلتئم بلا ندب، وإذا قطعت يداه أو قدماه تنمو من جديد، وإذا ضرب بسكين شفي جسمه وكأننا نرجع بالزمن للخلف.
في الواقع، يمكن لخلايا عفريت الماء العودة إلى حالة تشبه الخلايا الجذعية بعد الإصابة، وهي خلايا غير متخصصة تتميز بقدرتها الفريدة على الانقسام والتجدد لتكوين خلايا جديدة، بالإضافة إلى قدرتها على التحول إلى أنواع مختلفة من الخلايا في الجسم.
تلعب هذه الخلايا دورا محوريا في النمو، تجديد الأنسجة، وإصلاح الأضرار، مما يجعلها محط اهتمام كبير في مجالات الطب والأبحاث.
ورغم العودة إلى حالة تشبه الخلايا الجذعية، تحتفظ هذه خلايا عفريت الماء "بالذاكرة الموضعية"، بمعنى أنها تتمكن من النمو لتجديد أنسجة معينة في المواقع الصحيحة، فإذا فقد الكائن قدما أمامية، فإن خلايا تلك المنطقة تنمو لتصنع قدما أمامية تمثل تقريبا نسخة من القدم المفقودة.
ولذلك، فإنه على عكس البشر والعديد من الحيوانات الأخرى، تلتئم جروح هذه الكائنات دون تكوين ندبة، مما يعني خلاص كامل وتام من أثر الإصابة بشكل يعد الأكثر مثالية في عالم الحيوان.
وإلى جانب ذلك، يتمتع سمندل المكسيك بجهاز مناعي يدعم عملية التجدد، حيث تعمل الخلايا البلعمية (نوع من الخلايا المناعية) على إزالة الحطام وبقايا التلف بشكل نشط وبذلك تعزز نمو الأنسجة، على عكس البشر، حيث تؤدي الاستجابات المناعية غالبا إلى الالتهابات.
وعلى عكس العديد من الأنواع الأخرى، يحتفظ السمندل المائي بقدراته التجديدية طوال حياته. في معظم الحيوانات، تقل القدرة التجديدية مع تقدم العمر، لكن السمندل المائي يظل قادرا على تجديد حتى الهياكل المعقدة مثل الحبل الشوكي أو أجزاء من الدماغ في أي مرحلة من مراحل الحياة.
ولفهم الفكرة، لا بد من معرفة ما تعنيه هذه الجينات، وهي ببساطة شفرات الحياة التي ترثها عن أبويك ويرثها السمندل عن أبويه، تخيل الجسم كفيلم سينما معروض على الشاشة، هذا الفيلم بالأصل يتكون من شريط طويل مشفر عليه المشاهد، هنا يلتقي البطل بحبيبته لأول مرة، وهنا يعترف لها بحبه، وفي موضع ثالث على الشريط تتركه لأحزانه وحيدا.
كذلك تحتوي خلايا كل كائن حي على شريط طويل من الوحدات الكيميائية الممثلة لما يعرف باسم "الحمض النووي"، يوجد في نواة كل خلية من خلاياه، وكل مجموعة من تلك الوحدات تمثل جينا، هنا جين يعبر عن لون الجلد، وهنا جين آخر يعبر عن طبيعة العينين، وهناك جين يعبر عن طول العظام.. إلخ، وصولا إلى أدق التشكلات الجزيئية والتفاعلات الكيميائية في أجسامها.
لكن مثلما يترجم شريط السينما على الشاشة إلى فيلم، فهناك طريقة في أجسادنا تترجم خلالها تلك الشفرات الجينية إلى بروتينات.
البروتين هو كل شيء في جسم الكائن الحي، بداية من مكونات العضلات والأجهزة ووصولا إلى أدق التكوينات العاملة في الخلايا الصغيرة، ولبنائه تترجم الخلية جزءا محددا من الشفرة الوراثية الموجودة داخل نواتها إلى بروتينات، عبر عملية النسخ عن طريق ما يسمى الحمض النووي الريبي، فكر في هذا المركب كرسول، يحمل المعلومات من الحمض النووي (الموجود في النواة) إلى أجزاء الخلية التي تترجمها لتصنع البروتينات.