جزار في خدمة الولايات المتحدة!

جزار في خدمة الولايات المتحدة!

4h

 

كان كلاوس باربي يحلم بأن يصبح قسيسا، إلا أن ظهور الزعيم النازي أدولف هتلر، قلب حياته رأسا على عقب، وحوله افتتانه بشخصيته وأفكاره حين كبر إلى جلاد، عُرف باسم "جزار ليون".  

منذ صباه، انضم كلاوس باربي الذي وُلد في عام 1913 إلى شبيبة هتلر، والتحق في عام 1935 بقوات الأمن النازية الخاصة، ثم انخرط في العمل في جهاز الشرطة السرية المرعبة "الغيستابو".

أثبت جدارته في الشرطة السرية النازية بقسوته ووحشيته، وأصبح اسمه معروفا لقادة النظام النازي منذ عام 1941، وحصل حينها على وسام الصليب الحديدي على عمله في هولندا، وعين في عام 1942 رئيسا للغيستابو في مدينة ليون الفرنسية، وكانت أحد مراكز المقاومة الفرنسية النشطة ضد الاحتلال النازي.

تفنن ضابط الشرطة النازية كلاوس باربي في تعذيب أفراد المقاومة الفرنسية الذين وقعوا بين يديه. يصف أفعاله الكاتب والسياسي الإسباني الجمهوري خيسوس هيرنانديز في كتابه "تحدي هتلر" قائلا إن باربي، رئيس الغيستابو في ليون وضع في "مكتبه وكان في مبنى كلية الطب العسكري، متحفا حقيقيا للأهوال".

وصف هذا الكاتب غرف التعذيب التي كان يديرها باربي في مدينة ليون الفرنسية بأنها كانت "مليئة بحمامات ماء مثلجة، وطاولات بها قيود، ومواقد غاز، وأجهزة للصدمات الكهربائية. وتم لإخضاع السجناء الأكثر تمردا استخدام الكلاب، التي تم تدريبها خصيصا للعض في أماكن معينة. كان باربي يستمتع بشكل خاص بقلع أظافر السجناء أو غرس الإبر الساخنة تحت أجسادهم، علاوة على حشر أصابعهم بين مفاصل الأبواب وإغلاقها مرارا حتى تتحول إلى فتات".

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بهزيمة ألمانيا النازية، تمكن جزار ليون، كلاوس باربي من الفرار من العدالة على الرغم من صدور حكمين بالإعدام ضده غيابيا في فرنسا. المثير أن الولايات المتحدة هي من ساعدته على ذلك.  

الولايات الأمريكية اهتمت به منذ عام 1947، وأرادت الاستفادة من خبرته لمطاردة الشيوعيين في ألمانيا واستخدامه ضد الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة. ساعدت الولايات جزار ليون لأنها كانت تعتبره مصدرا للمعلومات الاستخباراتية لمعرفته الواسعة بالأنشطة الشيوعية في أوروبا.

وصف روبرت تايلور، أحد قادة الاستخبارات الأمريكية المضادة جزار ليون قائلا: "إنه رجل نزيه، فكريا وشخصيا، بلا أعصاب وخوف. مثالي قوي مناهض للشيوعية والنازية، يعتقد أن أفكاره تعرضت للخيانة من قبل النازيين في السلطة".

منذ نهاية الأربعينيات، عمل كلاوس باربي في الاستخبارات الأمريكية ضد الاتحاد السوفيتي. حاولت فرنسا تحديد مكانه ولجأ مسؤولوها إلى الولايات المتحدة للحصول على المساعدة إلا أن الاستخبارات المركزية الأمريكية أنكرت معرفتها به وواصلت التعامل معه.

استمرت علاقة الولايات المتحدة بجزار ليون عدة سنوات، إلا أنه بحلول عام 1951 فقد مصادر معلوماته، وانكشفت تلك العلاقة السرية ما أثار جدلا واسعا وانتقادات دولية للولايات المتحدة لحمايتها مجرم حرب.

الولايات المتحدة قررت نفض يدها منها. زودت كلاوس باربي بوثائق مزورة ونقلته إلى جنوة بشمال إيطالي، ومنها هرب إلى أمريكا الجنوبية، وتحديدا إلى بوليفيا، حيث عاش باسم مستعار.

كان يمكن أن يعيش شيخوخة هادئة بعيدا عن العدالة هناك، إلا أن سيرج وبيتي كلارسفيلد وهما رجل وزوجته من صيادي مجرمي الحرب النازيين المعروفين، تمكنا من تحديد مكانه ومعرفة الاسم الذي يختبئ وراءه وهو ألتمان، فقاما بتعقبه مرارا، واستماتا في الضغط على سلطات بوليفيا إلى أن تمكنا منه بتسليمه إلى فرنسا.

لم يمثل جزار ليون أمام المحكمة إلا بعد مرور 38 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية. بدأت محاكمته في 5 فبراير 1983، وأنكر باربي كل التهم الموجهة إليه. المحكمة أدانته في عام 1987 بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وقضت بسجنه مدى الحياة. قبع في سجن بمدينة ليون إلى أن توفى بسرطان الدم عام 1991.