
إيران تبحث عن مقاتلات أكثر تطورا استعدادا للحرب المدمرة القادمة
في وقت سابق من شهر سبتمبر/أيلول الماضي، نقلت وسائل إعلام عن مصادر رسمية إيرانية منها عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني أبو الفضل ظهروند، أن طائرات روسية من طراز "ميغ-29" (Mig-29) وصلت إلى قاعدة شيراز الجوية إحدى أهم القواعد الجوية الإستراتيجية في إيران، المكلفة بالدفاع عن المناطق الوسطى والجنوبية للجمهورية الإسلامية، في خطوة تهدف إلى تحديث القوات الجوية الإيرانية وزيادة قدرتها على مواجهة الأخطار الأمنية الإقليمية، بعد سلسلة الضربات الإسرائيلية التي ألحقت أضرارا كبيرة بأسطول الطائرات الإيراني وأنظمة دفاعها الجوي في يونيو/حزيران الماضي.
تُعد "ميغ-29" مقاتلة ثنائية المحرك من الجيل الرابع، وهي تتمتع بكفاءة عالية بالنظر إلى حقيقة أن القوات الجوية الإيرانية تدير أسطولا متهالكا من طائرات معظمها طائرات أميركية تعود إلى ما قبل عام 1979 مثل "إف-14 تومكات" (F-14 Tomcat)، و"إف-4 فانتوم 2″ (F-4 Phantom II)، و"إف-5 تايجر 2″ (F-5 Tiger II)، التي نجحت طهران في إبقائها على قيد الحياة بفضل مزيج من الهندسة العكسية والمشتريات السرية.

احنا الاسرع ooredoo
برعاية
رغم ذلك، وصف ظهروند طائرات "ميغ-29" بأنها "حل مؤقت" يهدف إلى تلبية احتياجات البلاد العاجلة في انتظار وصول منصات أكثر تطورا، مثل مقاتلات الجيل الرابع المتقدم (4.5) "سو-35″ (Su-35) الروسية الملقبة بـ"فلانكر إي".
يؤكد ذلك ما نشرته وكالة "رويترز" في يناير/كانون الثاني الماضي نقلا عن قيادة رفيعة في الحرس الثوري الإيراني من أن إيران اتفقت مع روسيا على الحصول على طائرات مقاتلة من طراز "سوـ35".
وحسب وثائق مسربة يُزعم نسبتها إلى وزارة الدفاع الروسية، نشرها مخترقون أوكرانيون مؤخرا فإن هناك اتفاقا يقضي بأن تتسلم إيران 48 طائرة من طراز "سو -35" خلال الأعوام الثلاثة المقبلة. تزامن ذلك مع أنباء حول سعي طهران للحصول على المقاتلة الصينية "جى ـ 10 سى" (J-10C) الملقبة بـ"التنين القوي" من أجل تعزيز قواتها الجوية.
تشير التقارير أيضا إلى أن إيران بدأت تسلُّم ونشر أنظمة دفاع جوي أرض-جو بعيدة المدى من طراز "إتش كيو – 9" (HQ-9) الصينية "بأعداد كبيرة". وهو ما يخبرنا عن توجه عسكري أوسع نطاقًا لإيران للاهتمام بالقوة الجوية وأنظمة الدفاع الجوي التي عانت بشدة خلال العقود الماضية.
وتسعى طهران على ما يبدو لاستجلاب معدات عسكرية متطورة من روسيا والصين، مما يضع طهران في فلك شبكات الدفاع المتوسعة لموسكو وبكين، وينذر بتغيير توازنات القوى في الشرق الأوسط من خلال إعادة طهران إلى المنافسة على التفوق الجوي من جديد.
الهيمنة الجوية الإسرائيلية المؤلمة
تقع المخاوف من إسرائيل في قلب مساعي التحديث الجوي الإيراني. خلال حرب الاثني عشر يوما في يونيو/حزيران الماضي نجحت دولة الاحتلال على ما يبدو في تحقيق تفوق جوي فوق أجزاء واسعة من المجال الجوي الإيراني خاصة في الجزء الغربي من البلاد وصولا إلى العاصمة طهران، وتمكنت من تنفيذ ضربات جوية واسعة النطاق عطلت دفاعات إيران الجوية، مما منحها قدرة على التحرك بحرية في سماء العاصمة الإيرانية وضرب مواقع متعددة بدون مقاومة قوية.
وقد شكلت تلك الهيمنة نقطة ضعف هائلة في الأداء العسكري الإيراني في تلك الحرب، لأن الهيمنة على الأجواء كانت تعنى شل يد معظم القدرات العسكرية لطهران، وجعل القوات على الأرض معرضة لخطر الاستهداف، لذلك من الملاحظ أن العديد من الهجمات الصاروخية المضادة انطلقت من وسط وشرق إيران البعيد نسبيا عن هيمنة سلاح الجو الإسرائيلي، هذا فضلا عن الجرح العميق في الكرامة الوطنية لأي بلد تقع أجواؤه تحت هيمنة قوى معادية.
من هنا يمكننا أن نتفهم اللهفة الإيرانية للإسراع في تطوير سلاحها الجوي، الذي يعتبر عتيقا، ولا يتناسب إطلاقا مع العصر الحالي. والسبب الرئيسي في ذلك، بجانب العقوبات التي منعت طهران من تطوير تسليح العديد من وحدات جيشها، هو أن البلاد اختارت التركيز على الردع الصاروخي بديلا عن تقوية سلاح الجو أو الدفاع الجوي بغية صناعة غلاف من الحماية يردع أي قوة معادية عن مهاجمتها أصلا خوفا من أن تجد تلك القوة نفسها عرضة لمئات أو ربما آلاف الصواريخ الإيرانية الساقطة من السماء.
لكن مجريات الحرب الأخيرة أثبتت أن نظرية الردع تلك تفقد جزءا كبيرا من فعاليتها بمجرد أن تقرر قوة مهاجمة الأراضي والأجواء الإيرانية بالفعل، حيث سرعان ما تكشفت أوجه القصور الإيرانية في المواجهات الجوية المباشرة والدفاع الجوي، وهو ما وضع قدراتها الصاروخية نفسها في مرمى النيران. باختصار لقد أثبتت الحرب أنه لا غنى عن قوات جوية متقدمة إذا رغبت الدولة في أن تكون رقما صعبا في المعادلة الإقليمية، وهو درس تعلمه الإيرانيون بالتجربة الصعبة.
ما يجعل الأمور أكثر خطورة أن هناك احتمالات لتجدد الصراع بالفعل في وقت قريب. لقد انتهت الحرب الأخيرة دون نصر عسكري واضح لأيّ من القوتين. صحيح أن هناك أضرارا فادحة قد أصابت البرنامج النووي الايراني ، ومن الممكن القول إن أهدافا عزيزة في إسرائيل كانت فريسة للصواريخ الإيرانية، ولكن من المبالغة اعتبار أن أيًّا من الطرفين قد حقق أهدافه، مما يجعل تجدد الصراع احتمالا واردا.
فبحسب موقع "ناشيونال سيكوريتى جورنال"، تبدي إيران سلوكا يدل على أنها تتوقع جولة أخرى من الصراع، حيث تنقل معدات تبريد متقدمة من موقع نطنز لتخصيب اليورانيوم لحمياتها من هجمات مستقبلية محتملة. في غضون ذلك، تشير مجلة نيوزويك إلى أن مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى يعتقدون أن الهدنة بين البلدين لن تصمد طويلا وأن النزاع سيتجدد في وقت ما.
وفي إيران نفسها صرح الجنرال عبد الرحيم موسوي رئيس هيئة الأركان بأن إيران على أهبة الاستعداد لأيّ حرب قادمة، أما في إسرائيل فقد حذر ليبرمان الوزير السابق وعضو الكنسيت من أن إيران تتحضر للهجوم على إسرائيل في وقت لاحق.
فضلا عن ذلك لا يوجد اتفاق حتى الآن بين الولايات المتحدة والقوى الأوروبية من جهة وبين إيران من جهة حول برنامج إيران النووي، ورغم أن إسرائيل ليست معنية بشكل مباشر بسير المفاوضات أو التوصل لاتفاق، فإن وجود اتفاق سار برعاية دولية يجعل مهمتها في التصعيد العسكري أكثر صعوبة، وعلى العكس من ذلك فإن غياب الاتفاق يفتح الأبواب أمام السيناريوهات التصعيدية بما في ذلك تجدد الحرب.
وبالإضافة إلى مخاوف إيران من هجوم إسرائيلي وشيك، فهناك تخوف من أن تقوم الولايات المتحدة نفسها بالهجوم عليها، إذا فشلت مساعي التوصل لاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني يحل محل الاتفاق السابق الذي كانت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما قد أبرمته وألغاه الرئيس الأمريكي ترامب إبان ولايته الأولى. يعني ذلك أن جميع عوامل التوتر لا تزال قائمة، ولا سبيل لحلها قريبا، مما يجعل الحرب احتمالا قائما.
ما تريده إيران ببساطة هو جعل قرار الحرب القادمة أكثر صعوبة من خلال رفع تكلفتها المحتملة على الخصوم. وتعد جهود التحديث الجوي عاملا أساسيا في هذه المساعي، فمن خلال تضييق الفجوة الجوية مع إسرائيل، تسعى طهران لحرمانها من التفوق المطلق في الهواء وهي الميزة الأهم التي تمتعت بها إسرائيل في المواجهة الأخيرة. ومن خلال تعزيز دفاعاتها الجوية بأنظمة متقدمة، تسعى طهران لفرض تكلفة باهظة على أي قوة تسعى إلى مهاجمتها.
