كيف تؤثر القيود الأوروبية على الصناعة العسكرية الإسرائيلية؟

كيف تؤثر القيود الأوروبية على الصناعة العسكرية الإسرائيلية؟

6h

القدس المحتلة: تواجه الصناعات العسكرية الإسرائيلية ضغوطا سياسية وشعبية متزايدة في أوروبا والعالم، في ظل استمرار حرب الإبادة على قطاع غزة  وتنامي الانتقادات الدولية لها.

وبينما يعد هذا القطاع ركيزة أساسية لاقتصاد إسرائيل وأمنها، إذ يجد نفسه اليوم محاصرا بعدة قيود، تمثل بعضها بالحظر الألماني على توريد الأسلحة، وإقصاء الشركات الإسرائيلية من المعارض الدفاعية في فرنسا وهولندا، وامتناع موانئ ومطارات أوروبية عن تمرير الشحنات العسكرية الموجهة إلى إسرائيل.

تأتي هذه التطورات على خلفية حرب الإبادة بقطاع غزة وإقرار تل أبيب خطة احتلال مدينة غزة ، مما دفع النقابات العمالية والمنظمات الحقوقية الأوروبية إلى تصعيد ضغوطها، في خطوة تعكس التحول العميق في المزاج الدولي تجاه إسرائيل وصناعاتها الدفاعية.

استبعاد وحظر

فبعد استبعاد الشركات الإسرائيلية من معارض الدفاع في فرنسا، جاء القرار الهولندي بمنعها من المشاركة في معرض الأسلحة "إن إي دي إس" المقرر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بالتوازي مع الحظر الألماني المفروض على توريد الأسلحة إلى إسرائيل، مما يشكل ضربة لقطاع يعتمد على شراكات إستراتيجية وفروع عاملة في أوروبا.

ويعد معرض الأسلحة في هولندا من الفعاليات المتخصصة في أنظمة القتال والتطورات التكنولوجية ذات الصلة بالقطاع البحري، وخططت شركات إسرائيلية للمشاركة فيه من بينها الصناعات الجوية الإسرائيلية، ورافائيل، وأنظمة إلبيت.

غير أن المنظمين الهولنديين أبلغوا هذه الشركات مؤخرا بأن مشاركتها لم تعد ممكنة، مرجعين ذلك جزئيا إلى اعتبارات أمنية، بحسب ما كشفت صحيفة "كلكليست" الاقتصادية.

ولا تحرك هذه الخطوة الصناعات الإسرائيلية من منصات عرض منتجاتها فقط، بل تقطع أيضا خطوط التواصل مع شركات كبرى في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية، كانت تبرم عبر هذه المعارض صفقات بمليارات الدولارات.

إنتاجية وتصدير

ويعمق الحظر الألماني، الذي يوصف بأنه غير مسبوق، أزمة الصناعات العسكرية الإسرائيلية، خاصة في ظل استمرار الحرب والمصادقة على خطة احتلال غزة وحاجة  جيش الاحتلال  المتزايدة لتجديد مخزونه من السلاح والذخيرة.

ورغم ارتباط شركات إسرائيلية بعلاقات تعاون طويلة الأمد مع شركات ألمانية، فإن القيود الجديدة تهدد سلاسل التوريد وتضعف قدرة جيش الاحتلال على الحصول على مكوّنات حيوية لأسلحته.

كما أن العديد من الشركات الإسرائيلية تمتلك فروعا في ألمانيا، مما يجعل القرار أكثر تأثيرا على قدرتها الإنتاجية والتصديرية.

بالتوازي مع ذلك، تشهد الموانئ والمطارات الأوروبية امتناعا متزايدا عن شحن الأسلحة والعتاد إلى إسرائيل، بدفع من نقابات عمالية تصف ما يجري في غزة بأنه " ابادة جماعية ".

هذا الموقف النقابي يترجم عمليا إلى تعطيل عمليات النقل والإمداد، مما يضيف طبقة جديدة من العزلة أمام الصناعات العسكرية الإسرائيلية.

تعكس هذه التطورات، بحسب التحليلات الإسرائيلية، تصاعد المشاعر السلبية تجاه إسرائيل على المستوى الدولي، وتمتد تداعياتها إلى خسائر اقتصادية ملموسة وتراجع في حجم الإنتاج والتصدير، فضلا عن تآكل مكانة تل أبيب في معارض ومنتديات السلاح العالمية.

ويعلق المحرر في صحيفة "كلكليست"، يوفال أزولاي على هذه التطورات بقوله إنها لا تعد مجرد خطوات احتجاجية، بل تمثل تحولا جوهريا في العلاقة بين إسرائيل وأوروبا في مجال التعاون العسكري والدفاعي، مع انعكاسات مباشرة على الاقتصاد والأمن الإسرائيليين.

وأوضح أن اتساع دائرة الحظر والمقاطعة التي تستهدف نشاطها ومشاركتها في المحافل الدولية، يفقد شركات الصناعات العسكرية الإسرائيلية إبرام صفقات بعشرات مليارات الدولارات، ويسبب خسائر اقتصادية ملموسة وتراجعا في حجم الإنتاج والتصدير.

ولفت إلى أن هذه القيود تشكل تهديدا إستراتيجيا لمكانة الصناعات العسكرية الإسرائيلية في الأسواق العالمية، وتثير تساؤلات حول قدرتها على الصمود في وجه حصار دبلوماسي واقتصادي متدرج.

وبشأن الحظر الألماني، الحليف العسكري والاقتصادي التقليدي، يقول أزولاي إنها "ضربة مؤلمة للصناعات العسكرية الإسرائيلية"، إذ إن الدبابات الإسرائيلية تعتمد على محركات ألمانية تُرسل للمعالجة النهائية في الولايات المتحدة قبل استيرادها إلى إسرائيل.

سجلت صادرات الصناعات الدفاعية الإسرائيلية في عام 2024 رقما قياسيا غير مسبوق، إذ بلغت 14.8 مليار دولار أميركي، بزيادة نسبتها 13% مقارنة بالعام السابق، وفق بيانات وزارة الدفاع الإسرائيلية.

جاءت القفزة الكبرى من السوق الأوروبية، التي استحوذت وحدها على 54% من إجمالي الصادرات، وقد شكلت أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ والقذائف ما يقارب نصف هذه الصادرات، مدفوعة أساسا بالمخاوف الأوروبية المتصاعدة من تهديدات الطائرات المسيّرة في أعقاب الحرب في أوكرانيا.

لكن، وعلى الرغم من هذا الإنجاز، يشير حاجاي عميت، المتخصص في اقتصاديات الدفاع بصحيفة "ذا ماركر"، إلى أن حرب غزة بدأت تُلقي بظلالها على مسار الصفقات الجديدة، وهو ما انعكس في تعليق صفقة تسليح كبرى مع إسبانيا.

وبحسب عميت، فإن الصناعات الدفاعية الإسرائيلية تواجه اليوم تحديات سياسية متنامية على الساحة الدولية، من شأنها أن تحد من استمرارية هذا النمو السريع.

وأوضح أن القيود الأوروبية المتصاعدة انعكست بشكل مباشر على حجم الصناعات العسكرية الإسرائيلية، التي تشهد تراجعا ملحوظا في صادراتها وحضورها الدولي خلال العام 2025.

ويتوقع أن تواجه الشركات الإسرائيلية صعوبات في تأمين المكونات الأساسية لمنتجاتها، إضافة إلى فقدان صفقات وفرص تجارية مهمة.

ولفت إلى أن هذه الأزمة تتزامن مع ضغوط اقتصادية متزايدة بسبب الحرب، مما يفاقم من عجز الموازنة ويضع الحكومة الإسرائيلية أمام تحديات في تمويل الجيش وتجديد مخزون الأسلحة.

 

توتر وعزلة

الطرح ذاته تبناه ديان شموئيل إلماس مراسل الشؤون الجيوسياسية في صحيفة "غلوبس"، الذي يعتقد أن الصناعات العسكرية الإسرائيلية تجد نفسها اليوم أمام جدار أوروبي متماسك من القيود والحظر، يهدد مكانتها كمصدر رئيسي للأسلحة والتكنولوجيا الدفاعية في العالم.

وإذا استمرت هذه الإجراءات في التوسع، يقول شموئيل فإنها "لن تقتصر على الخسائر الاقتصادية، بل ستنعكس على القدرات العملياتية للجيش الإسرائيلي ذاته".

وأوضح أنه مع غياب أي إستراتيجية سياسية أو دبلوماسية لتخفيف التوتر مع أوروبا، تبدو إسرائيل مقبلة على مرحلة غير مسبوقة من العزلة العسكرية والدفاعية.