كيف تمكن الذكاء الاصطناعي من قراءة النصوص المسمارية القديمة؟

كيف تمكن الذكاء الاصطناعي من قراءة النصوص المسمارية القديمة؟

1m 12d

على الرغم من أن هؤلاء الأشخاص تحدثوا بلغة تُدعى السومرية، تختلف تمامًا عن أي لغة أخرى نعرفها، فضلًا عن أنها انقرضت منذ فترة طويلة، فإننا مع ذلك نملك سجلًّا مدهشًا عن حياتهم، فعلى ما يبدو قد اشتعل أول فتيل للكتابة من هنا. في ذلك الوقت، كانوا يستخدمون نهاية قصبة لضغطها في الطين الرطب لصنع أشكال تشبه المثلثات أو الإسفين (أداة بسيطة مثلثة الشكل تستخدم في البناء والنجارة للفصل بين جسمين*)، وهو ما أعطى هذه الكتابة اسمها الحديث: الكتابة المسمارية (Cuneiform)، المشتق من الكلمة اللاتينية (Cuneus)، التي تعني الإسفين. صحيح أننا نربط الآن الكتابة بالشعر والأدب، إلا أن الكتابات المبكرة لم تكن لأغراض كهذه، بل تمحورت حول أغراض إدارية مثل تتبع نقل العبيد، على سبيل المثال، أو تسلُّم الحيوانات. بمعنى آخر، تمحور هدفها الرئيسي في تسجيل المعاملات الاقتصادية والإدارية.

لقد استغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى تحولت الكتابة المسمارية من كونها مجرد وسيلة للتسجيل الإداري إلى أداة للتعبير اللغوي. ظهرت أولى النقوش الملكية نحو 2700 قبل الميلاد، ثم ظهر أقدم النصوص الأدبية بعد ذلك بـ100 عام تقريبًا. كانت إنهدوانا من أوائل الكتّاب المعروفين، وهي أميرة وكاهنة وشاعرة عاشت قبل نحو 4300 عام. إذ كتبت العديد من الترانيم والأساطير، وأشهر نصوصها "ملحمة جلجامش"، التي تتحدث عن سعي ملك إلى الحياة الأبدية أو الخلود، وتتضمن قسمًا كان في الغالب مقدمة لقصة الطوفان الدينية. ولا يزال تأثير الثقافة السومرية حاضرًا في حياتنا اليومية إلى الآن ويشكِّل أساسًا للأنظمة والمفاهيم الحديثة، ليس من خلال القصص الدينية فقط، ولكن أيضًا في نظامنا الزمني. وذلك لأن نظامهم في العد الستيني القائم في الأساس على العدد 60 هو السبب وراء وجود 60 ثانية في الدقيقة و360 درجة في الدائرة.

فك شفرات الماضي

الكتابة المسمارية هي في الأساس نظام كتابة وليست لغة في حد ذاتها، بمعنى أنها أشبه بكيفية استخدام الحروف الإنجليزية في كتابة الفرنسية أو الألمانية. وعلى الرغم من اندثار اللغة السومرية فيما بعد، فإن الكتابة المسمارية واصلت سعيها متلمسة طريقها إلى هذا الشكل الذي كُتبتْ به العديد من اللغات الأخرى، مثل الأكادية والحثية والفارسية القديمة. واستُخدمت هذه الكتابة مدة 3000 عام قبل أن تندثر مخلِّفةً وراءها سجلات لمواليد ووفيات الممالك القديمة. وفي النهاية، تمكنا من التوصل إلى هذا التاريخ بفضل الطين الذي نُقشت عليه هذه الكتابة، وهو مادة رخيصة الثمن ومتوفرة بسهولة.

ومن جانبه، يقول فينكل: "إننا محظوظون جدًّا لأن أي لوح منقوشة عليه هذه الكتابة يبقى على حاله ما لم يُلقَ في النهر أو يُحطَّم تماما". واليوم ما زالت آلاف من هذه الألواح الطينية موجودة هناك، وتشكِّل جزءًا أساسيًّا من التراث الثقافي العالمي. وهي عبارة عن سجلات لأولى الإمبراطوريات العظمى في العالم، إضافة إلى ترانيم ورسائل وقوائم تسوق وحتى شكاوى العملاء. وعن ذلك، يقول إنريكي خيمينيز أستاذ الآداب القديمة والشرقية في جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ بألمانيا: "يقولون إن النصف الأول من تاريخ البشرية لم يسُجِّل إلا على هذه الألواح المسمارية".

حتى يومنا هذا، لا يزال العلماء يكتشفون العديد من الأسرار الجديدة عن الألواح المسمارية. في عام 2017، توصل الباحثون إلى لوح صغير عمره 3700 عام يُعرَف باسم بليمبتون 322، ومن المفترض أنه أقدم جدول لحساب المثلثات في العالم، وهو ما أظهر أن البابليين -الشعب الناطق باللغة الأكادية الذي يعيش في وسط وجنوب بلاد الرافدين- هم أول من درس علم المثلثات، وليس الإغريق. وفي العام الماضي، أظهر تحليل جديد لأحد الألواح -التي عُثر عليها في العراق عام 1894- أن البابليين تعاملوا مع حساب المثلثات قبل قرون من فيثاغورس.