
راقصة الباليه التي تثير الجدل حول غزة
معلقة سياسية مستقلة وكاتبة ومنتجة ومقدمة برامج وصحفية أميركية من أصل أرميني، أثارت تصريحاتها حول القضية الفلسطينية وما يتصل بها من دور أميركي في الصراع موجة واسعة من التفاعل، تراوحت بين التأييد الحاد والانتقاد اللاذع، مما جعلها محورا للنقاش الإعلامي والجماهيري في الفترة الأخيرة.
أسلوبها الصريح واستخدامها للغة حادة ومنفعلة في التعبير عن آرائها، وخصوصا فيما يتعلق بدولة الاحتلال والتورط الأميركي في الحرب على قطاع غزة دفع كثيرين إلى الدفاع عن حقها في حرية التعبير، بينما رأى آخرون أن ذلك تجاوز على حليف إستراتيجي لأميركا.

احنا الاسرع ooredoo
برعاية
كما أثارت جدلا واسعا في المجتمع الأرميني لارتباطها ببرنامج "الأتراك الشباب" نظرا للأهمية التاريخية لهذا المصطلح بالنسبة للمجتمع الأرميني، رغم أن مؤسسي البرنامج نفوا أي صلة للاسم بالتاريخ الأرميني التركي.
وتعرف آناهيت ميساك "آنا" كسباريان، المولودة في عام 1986 في لوس انجيلوس بكاليفورنيا لوالدين مهاجرين أرمينيين، بهويتها الأرمينية رغم مرور كل السنوات على هجرة عائلتها من أرمينيا.
فقد نشأت آنا كسباريان وعاشت طفولتها وهي تتحدث الأرمينية كلغة أولى، وقالت إن مشاهدة برنامج "شارع سمسم" في طفولتها هو ما ساعدها على تعلم اللغة الإنجليزية بسرعة، ورقصت الباليه من سن الثالثة إلى سن الـ19، وقدمت عروض الباليه بشكل احترافي.
ثم التحقت بجامعة "ولاية كاليفورنيا" في نورثريدج عام 2007، وحصلت على بكالوريوس الآداب في الصحافة، ولاحقا حصلت على درجة الماجستير في العلوم السياسية عام 2010، وقالت كاسباريان إن رؤية الصحفية الأميركية باربرا والترز في برنامج " 20/20″ على قناة "إيه بي سي" (ABC) ألهمها لدخول مجال الصحافة.
ومباشرة بعد تخرجها أصبحت منتجة مساعدة في محطات أخبار إذاعة "سي بي إس" في لوس أنجلوس، وقالت إنها كانت محظوظة لأنها عينت فور تخرجها، لكنها لم تحب العمل في "سي بي إس" لأن وسائل الإعلام الرئيسة "ليست ممتعة" بسبب "بيئة العمل الآلية" حيث لا يمكنها قول ما تريد على الهواء أو كتابة قصص مهمة بالنسبة لها بحسب قولها.
قفزة
أخذت مسيرة كاسباريان الإعلامية والإذاعية تزدهر وتتصاعد، فهي أيضا كاتبة عمود في مجلة "رو ستوري"، ومحاضرة في الصحافة الإذاعية في جامعة "ولاية كاليفورنيا" في عام 2013، حيث درست هناك، لكن قفزتها الصحافية الكبرى كانت حين أصبحت منتجة ومقدمة مشاركة مع الصحافي الأميركي التركي الأصل، سينك أويغور، في برنامج "الشباب الأتراك" التقدمي.
وفي البداية تخوفت من الاسم وهي الأرمينية، ولكن بعد العمل هناك أحبت كاسباريان البرنامج وبقيت فيه، قائلة إنها بحاجة إلى التعبير عن رأيها وأحيانا "بشكل عدواني" وقد سمح لها البرنامج بذلك.
طبقت كاسباريان وزميلها أويغور، إستراتيجية تسويقية يسارية شعبوية جعلت من برنامج "الشباب الأتراك" منظمة عالمية ناجحة على الإنترنت، حيث بلغ عدد مشتركيها على يوتيوب أكثر من مشتركي العديد من شبكات الأخبار البارزة الأخرى مثل "سي إن إن".
وصفت كاسباريان نفسها بأنها ملحدة تدافع عن القيم التقدمية، وقد حازت على العديد من الجوائز تقديرا لعملها الصحفي. كما ألقت كلمات رئيسية في العديد من الجامعات والمؤتمرات والفعاليات السياسية. ونشرت أعمالها في صحيفة "نيويورك تايمز" ومجلة "تايم"، ومجموعة من المنشورات المرموقة.
وبرزت في العامين الأخيرين في سلسلة من التصريحات الإعلامية المثيرة للجدل، حيث عبرت عن مواقف غاضبة وحاسمة بشأن القضية الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق بالدور الأميركي والدعم لدولة الاحتلال.
إثارة الجدل
ففي ظهور لها على برنامج الإعلامي البريطاني، بيرس مورغان، "بلا رقابة"، دعت كاسباريان الولايات المتحدة إلى الابتعاد عن الصراعات التي تخوضها إسرائيل، قائلة: "اتركوا أميركا خارج هذا، لا ينبغي لرجالنا ونسائنا في الزي العسكري أن يموتوا من أجل بلدكم"، وجاء هذا التصريح في سياق انتقادها لاحتمال تورط الولايات المتحدة في صراع مع ايران لصالح دولة الاحتلال.
وفي حلقة أخرى من نفس البرنامج تصاعدت نبرة كاسباريان بشكل ملحوظ، حيث اتهمت الجيش الإسرائيلي بارتكاب ابادة جماعية في غزة، ودخلت في مواجهة كلامية حادة مع أحد الضيوف المؤيدين للحرب على غزة، وصلت إلى حد مقاطعتها له قائلة بغضب: "لن أدعك تماطل، يا وقح!"، وهي العبارة التي انتشرت بشكل واسع وأثارت جدلا كبيرا على مستوى دولي، لتكون إحدى أكثر اللحظات المثيرة في ذلك الحوار التلفزيوني، وشنت هجوما لاذعا على صحفية إسرائيلية رافضة محاولات إسكاتها بذريعة الهـولوكوست أو اتهامها بمعاداة الـسامية وقالت لها "أنتِ مثيرة للاشمئزاز".
كما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو آخر لكاسباريان، ووجهت فيه رسالة إلى الشعب الإسرائيلي، قالت فيها: "أنتم مكروهون على المستوى الدولي… لا تنخدعوا بالدعاية التي تبثها وسائل الإعلام الأميركية". وأكدت في كلامها أن هذا الكره "لا ينبع من معاداة لليهود بل من الأفعال والسياسات التي تنتهجها إسرائيل".
ووسط انقسام حول آرائها، أشاد بها عدد كبير من المتابعين، واعتبروا مواقفها شجاعة وصادقة، مؤكدين أن تصريحاتها ألقت الضوء على المأساة الإنسانية المستمرة في غزة، والتي غالبا ما تغيب عن التغطيات الإعلامية الأميركية التقليدية، بينما هاجمها منتقدون بشدة، متهمين إياها بتقويض علاقة الولايات المتحدة مع حليف إستراتيجي واعتبروها خروجا عن الأصول الإعلامية التي تتيح حوارا حقيقيا وبـ"معادة السامية".
عبرت أنا كاسباريان، في عدد من تصريحاتها الإعلامية، عن موقف إنساني حاد ورافض تجاه ما وصفته بوحشية العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة. منتقدة السياسة الخارجية الأميركية باعتبارها "منحازة ومضرة"، بل ومكرسة لدعم ما وصفته بـ"الجرائم ضد المدنيين". وقد أعلنت في مناظرة تلفزيونية "أنا أعلم ما هي الإبادة الجماعية حين أراها".
أسلوبها الجريء المغلف بدعابة لاذعة دفعها إلى تقديم شهادة مؤثرة عن تاريخ عائلتها حيث تقول في هذه المقاربة: "كان هناك فرق جوهري بين مجتمعي اللاجئين الأرمن واليهود الذين وصلوا إلى فلسطين خلال القرن الـ20، إذ وصل الأرمن إلى فلسطين طالبين اللجوء، واندمجوا في المجتمع المضيف وساهموا فيه، ووزيرة الخارجية الفلسطينية الحالية، فارسين أغابيكيان، على سبيل المثال، أرمينية فلسطينية.
وتضيف: كان الأرمن بلا استثناء مسيحيين، بينما كانت الأغلبية الفلسطينية مسلمة مع أقلية مسيحية كبيرة وأقلية يهودية أصغر، ولم يكن الدين عاملا ذا أهمية على الإطلاق، وعلى النقيض من ذلك، وصل المهاجرون اليهود الصهاينة ليس فقط كلاجئين، بل حاملين أيديولوجية الصهيونية الاستعمارية، للسيطرة على البلاد، وتهجير سكانها المسلمين والمسيحيين (بما في ذلك الأرمن)، وتحويل الفلسطينيين إلى لاجئين بلا جنسية، ونتيجة لذلك، قوبلوا بالمقاومة بكل الوسائل المتاحة وكان الانتماء الديني ذا أهمية قصوى للصهاينة، ولكنه لم يكن ذا صلة بمسلمي فلسطين ومسيحييها.
ولعل جذور موقفها الأخلاقي تعود أيضا إلى خلفيتها الثقافية، إذ صرحت مرارا بأنها تنطلق من تجربتها كأرمينية أميركية، قائلة: "أنا أرمينية وأعرف الإبادة الجماعية حين أراها"، في إشارة إلى التاريخ الأرميني وربط مباشر بين ذاكرتها التاريخية وما يحدث في فلسطين.